الفتنة الطائفية ودهاء السياسة: كيف تُشعل الكراهية حربًا تخدم واشنطن وتستنزف بكين؟


بين نار الطائفية ومكر السياسة، تجد الهند وباكستان نفسيهما على حافة حرب جديدة. تحت شعارات دينية وخطابات قومية متطرفة تُحشد الجماهير ويُعاد تشكيل الوعي الجمعي ليرى "الآخر" عدوًا أبديًا.
وفي الظل تُطل قوى كبرى تراقب وتخطط... وربما تدفع نحو الاشتعال.
صناعة الفتنة الطائفية
الطائفية لا تولد من فراغ، بل تُصنع وتُغذّى عبر سنوات من الخطاب الممنهج الذي يبني صورة "العدو الداخلي"، يُعاد تعريف الهوية الوطنية بأنها تنتمي لمذهب أو دين معين ويُقصى الآخر المختلف بوصفه خائنًا أو تهديدًا كما يتم استخدام المدارس والإعلام والمناهج التعليمية كأدوات لغرس الكراهية منذ الطفولة.
اقرأ أيضاً
الجيش الهندي ينفي مزاعم باكستان بتدمير منظومة إس-400 هندية
الولايات المتحدة والصين تجريان مفاوضات تجارية في سويسرا
الجيش الباكستاني: الهند استهدفت ثلاث قواعد جوية باكستانية بضربات صاروخية
هيئة المطارات: باكستان تعلن غلق مجالها الجوي أمام جميع الرحلات على خلفية التصعيد العسكري مع الهند
مجموعة السبع تحث الهند وباكستان على التحلّي بأقصى درجات ضبط النفس
الجيش الهندي: باكستان هاجمت أهدافا مدنية باستخدام المقاتلات والأسلحة بعيدة المدى
واشنطن تعلن تهريب خمسة معارضين فنزويليين من داخل كاراكاس
الإمارات تدعو إلى ضبط النفس بين الهند وباكستان
شي جين بينغ: على الصين والاتحاد الأوروبي التصدي للتنمر أحادي الجانب
الكرملين: الرئيس الصيني سيزور روسيا في مايو
وكالة: وزير الدفاع الهندي قد لا يشارك باحتفالات عيد النصر في موسكو
سفير باكستان يؤكد اهتمام بلاده بمشاركة روسيا والصين في التحقيق بهجوم كشمير
الطائفية كأداة للسلطة والبقاء
في العديد من البلدان، تلجأ الأنظمة الحاكمة إلى الفتنة الطائفية لصرف النظر عن الأزمات الاقتصادية أو السياسية وتُستخدم الكراهية الطائفية كوسيلة لحشد الدعم وتشتيت الانتباه عن الفساد وتمزيق صفوف المعارضة، عندما يشعر النظام بخطر على شرعيته يُعاد إحياء الصراعات الدينية لتقسيم الشعب.
حين تتحول الكراهية إلى حرب
تاريخ العالم مليء بأمثلة على حروب بدأت بذريعة طائفية، ففي الهند وباكستان كان تقسيم عام 1947 بداية لمذابح جماعية بين الهندوس والمسلمين.
وفي العراق بعد 2003، تحول الخلاف بين السنة والشيعة إلى حرب أهلية دامية ، وفي ميانمار عانى مسلمو الروهينجا من التطهير العرقي بدعم ضمني من النخبة البوذية الحاكمة.
حتى في رواندا، لم تكن الحرب بين الهوتو والتوتسي عرقية فقط بل غذتها أيديولوجيا دينية استُخدمت للتحريض.
الفتنة الطائفية: جذور مشتعلة منذ التقسيم
منذ لحظة تقسيم الهند عام 1947 وما تبعها من مذابح جماعية بين الهندوس والمسلمين ترسخت الكراهية الطائفية في الذاكرة الجماعية لكلا الشعبين، هذه الفتنة لم تكن مجرد نتيجة عاطفية بل تم استثمارها سياسيًا على مدار عقود.
ففي الهند صعود الأحزاب القومية مثل حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) غرس خطابًا يعتبر الهند أرضًا هندوسية ما يُقصي المسلمين سياسيًا واجتماعيًا ، في حين باكستان استخدمت الهوية الإسلامية كمبرر دائم للصراع مع "الهندوس" كأعداء دينيين للأمة، والنتيجة الحتمية شعبان مغيّبان داخل فقاعة من الخوف والكراهية جاهزان دائمًا للحرب
ففي الهند وباكستان تلجأ الأنظمة إلى تصعيد الخطاب الطائفي لصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية مثل البطالة والتفاوت الطبقي والتوترات الاقتصادية وملفات فساد أو إخفاق حكومي.
كلما تراجعت شعبية السياسيين، يُعاد تشغيل ماكينة العداء التاريخي.
الولايات المتحدة المستفيد الخفي: إشعال الهامش لاستنزاف المركز
في خلفية كل حرب طائفية هناك مستفيد خفي فالقوى الكبرى كثيرًا ما تستثمر في انقسام الشعوب لتأمين مصالحها الجيوسياسية.
وشركات السلاح تجني أرباحًا من استمرار النزاع، بينما تجد الأنظمة الفاسدة في الفوضى الطائفية فرصة للبقاء في السلطة، حتى بعض المؤسسات الدينية قد تُسهم في تأجيج الصراع لضمان النفوذ.
وفي صراع النفوذ العالمي بين واشنطن وبكين تلعب أمريكا على أكثر من جبهة، وفي جنوب آسيا ليس من مصلحتها قيام محور آسيوي قوي يضم الصين وباكستان وربما حتى الهند لو تقاربت مع بكين.
الفرضية التحليلية ...
- أمريكا تدعم الهند عسكريًا وتكنولوجيًا عبر اتفاقيات كواد (QUAD) وتحالفات استخباراتية.
- أي حرب تستنزف باكستان تعني توريط الصين، حليفتها الكبرى، اقتصاديًا وربما عسكريًا.
- انشغال الصين بحماية مصالحها في باكستان وكشمير يصرف تركيزها عن تايوان وبحر الصين الجنوبي.
وهكذا، تصبح الحرب الهندية الباكستانية حتى لو بدت دينية أداة جيوسياسية أمريكية لإضعاف خصمها الأول الصين.
والنتيجة أن الشعوب تُقتل باسم "الدين" لكنها ضحية السياسة و الحرب تُدار من الداخل وتُستثمر من الخارج والسلام لا يتحقق إلا عندما تُكشف خيوط اللعبة كاملة.
في النهاية ليست الحروب الطائفية قدرًا مكتوبًا، بل صناعة بشرية تستفيد منها أنظمة فاشلة وقوى عظمى تُدير الصراعات عن بُعد.
وكلما فهمنا دور الدين كأداة تعبئة ودور السياسة كمهندس خفي اقتربنا من لحظة وعي قد تنقذ ملايين الأرواح.