قانون العمل يحميك ولكن من ينقذك من الثالوث المظلم


كتبت - أمل المصري
في صباحٍ باكر بالإسكندرية، خرجت دعاء من بيتها تحمل صغيرتها التي لم يتجاوز عمرها ثلاثة أشهر بين ذراعيها، لم يكن في نيتها سوى أن توفّق بين أمومتها وعملها، فالصغيرة مريضة تتنفس بصعوبة، والأم لا تملك رفاهية التغيب.
دخلت إلى عملها مثقلة بالقلق، وكل ما كانت ترجوه أن تحصل على إذن عاجل كي تذهب بابنتها إلى المستشفى، لكن الأبواب أُغلقت في وجهها، والطلبات قوبلت بالرفض والتجاهل، ثلاث ساعات كاملة وقفت دعاء تتوسل وتشرح أن حياة رضيعتها مهددة، لتجد نفسها أسيرة لوائح جامدة وأوامر إدارية لا تعترف بصرخة أم.
وحين سُمح لها بالمغادرة أخيرًا كان الوقت قد فات، خرجت من البوابة تحمل طفلتها التي أسلمت الروح بين ذراعيها، لتتحول البوابة التي كان يُفترض أن تكون مخرجًا للنجاة إلى بوابة موت معلن.
اقرأ أيضاً
الشرطة الأمريكية تعتقل رجلا يشتبه بارتكابه جريمة قتل عضو الجمعية التشريعية في مينيسوتا
بريطانيا تخطط لبناء مصانع ذخيرة لردع الأعداء بشكل أفضل
إدمان مواقع التواصل الاجتماعي قد يكون علامة على النرجسية
يائير غولان يتهم إسرائيل بقتل الأطفال كهواية
قتلى وجرحى بالعشرات جراء سقوط شاحنة في واد بجنوب باكستان
رئيس الوزراء يتفقد عددًا من مصانع مدينة العاشر من رمضان
بدء إنتاج مصنع يازاكي اليابانية في مصر أغسطس المقبل
بيسنت: تسريح العمال على المستوى الفيدرالي سيساعد في ملء الوظائف في المصانع
الجيش الإثيوبي يعلن مقتل أكثر من 300 مسلح من ميليشيا محلية
رئيس الوزراء العراقي يُعلن مقتل قيادي في داعش
النواب يحظر عمل السخرة والجبر والتحرش والتنمر في قانون العمل
رئيس الوزراء يفتتح المرحلة الأولى من مجمع المصانع الجاهزة بالعين السخنة
المأساة أبعد من خبر
ما حدث لم يكن مجرد حادثة مؤلمة لعائلة بسيطة، بل انعكاس لأزمة أعمق في بيئة العمل المصرية، دعاء لم تفقد ابنتها فقط بل وجدت نفسها محاصرة بالذنب والقهر والخوف، مشاعر مركّبة تعكس مأزق كل أم عاملة تحاول التوفيق بين دورها الأسري ومتطلبات عمل يضع اللوائح فوق الإنسانية.
في لحظة الموت لم تسقط رضيعة على ذراع أمها وحسب، بل سقطت معها ثقة في أن حياة الإنسان تسبق أي نظام إداري.
بيئة العمل والثالوث المظلم
في حلقة بودكاست "وثبة" التي تحدثت فيها هاجر القايدي عن "الثالوث المظلم"في بيئات العمل تقدم عدسة تفسيرية لهذه المأساة، النرجسية حين تصبح صورة الإدارة وانضباطها أهم من إنقاذ حياة، والسيكوباثية حين يُواجه ألم الأم ببرود وصمت إداري قاسٍ، والميكافيلية حين تُستَخدم اللوائح كأداة للسيطرة لا كوسيلة لتنظيم العمل.
هكذا يتجسد الثالوث المظلم في مشهد بسيط لكنه قاتل، موظفة موارد بشرية ترفض، مدير يتجاهل، وأمن يمنع، فيما جسد صغير يتهاوى بين أنفاسه الأخيرة.
كما تقول القايدي في حديثها: "حين تُمنح السلطة من دون ضوابط أخلاقية، يتحول الإنسان إلى مجرد رقم في جدول، وتتحول القرارات إلى مقصلة صامتة"، هذه العبارة تبدو اليوم أقرب ما تكون إلى وصف دقيق لما عاشته دعاء في ساعاتها الأخيرة مع طفلتها.
المشهد كله ينطق بالبلاغة المريرة، الطفلة لم تمت في سرير أبيض بالمستشفى بل على ذراع أمها، الذراع التي خُلقت للحياة تحولت إلى مسرح موت.
البوابة التي كان يُفترض أن تُنقذ صارت شاهدًا على الفاجعة، حتى الكلمات العادية اكتسبت قوة شعرية موجعة:"ماتت على إيديا" كما روت الأم لوسائل الإعلام- عبارة تجمع بين الانكسار والخذلان والأمومة المقهورة والسلطة التي أبت أن تسمع.
بعد الحادثة تعالت الأصوات غاضبة ودخل العمال في إضراب مفتوح تضامنًا مع دعاء، وطالبوا بمحاسبة المسؤولين، وزارة العمل أعلنت فتح تحقيق عاجل.
الحكومة بدورها أكدت أنها وضعت قانون عمل جديد يستهدف حماية حقوق العمال وتنظيم العلاقة بين الموظف وصاحب العمل، لكن القانون مهما كان محكمًا لن يحمي العامل من سلوكيات سامة ومديرين يضعون اللوائح فوق الإنسانية، فالقانون يمكن أن يردع ويعاقب لكنه لا يزرع الرحمة ولا يصنع الضمير.
قصة دعاء لم تكشف فقط عن مأساة شخصية، بل عن خلل بنيوي في ثقافة العمل حيث يعلو صوت اللوائح على أنين إنسان، فالأمر ليس استثناء، بل جزء من نمط متكرر حين تتحول السلطة إلى أداة قمع صامتة.
فالدولة شرعت قوانين لكن الأخلاق لا يمكن فرضها بنص قانوني ، والموظف المصري اليوم بحاجة الي ما هو أبعد من الحماية القانونية
يحتاج إلي ادوات نفسية ومهنية تعينه على مواجهة السيكوباتيه.