نيران صديقة وراء فضيحة مدوية هزّت البحرية البريطانية
كتبت سارة أحمد محمدميدانيفي الأول من شهر أيلول/سبتمبر سنة 1939، اندلعت الحرب العالمية الثانية عقب قيام الجيوش الألمانية بمهاجمة الأراضي البولندية وتفعيلها لاتفاقية مولوتوف – ريبنتروب (Molotov Ribbentrop Pact) المبرمة بين ألمانيا والاتحاد السوفيتي، في وقت سابق من شهر آب/أغسطس من نفس السنة، والتي اتفق الطرفان خلالها على اقتسام أراضي بولندا. وعلى إثر إرسالهما لتحذير شديد اللهجة للسلطات الألمانية ومطالبتهما بوقف العدوان على بولندا، لم تتردد كل من بريطانيا وفرنسا في إعلان الحرب على ألمانيا يوم الثالث من شهر أيلول/سبتمبر سنة 1939.
وفي غضون ذلك وبعد مضي حوالي أسبوع واحد عن دخول بلادهم الحرب العالمية الثانية، تفاجأ البريطانيون على وقع حادثة غريبة عند سواحل النرويج حيث انفجرت إحدى غواصاتهم بطريقة غريبة وغامضة متسببة في مقتل العشرات من البحارة. وطيلة الفترة التالية، أثارت هذه الحادثة فضول الجميع قبل أن يتم الكشف عن حقيقتها خلال خمسينيات القرن الماضي.
وقبيل أيام قليلة من اندلاع الحرب العالمية الثانية، أصدرت البحرية الملكية البريطانية أوامرها لخمسة غواصات بالإبحار نحو سواحل النرويج للقيام بعدد من الدوريات التفقدية تخوفاً من إنزال عسكري ألماني محتمل هنالك. وفي الأثناء، كانت الغواصتان أوكسلي (HMS Oxley) وتريتون (HMS Triton) ضمن الغواصات الخمس التي أوكلت إليها هذه المهمة.
صورة لأدولف هتلر خلال تفقده لقواته بالأراضي البولندية
في حدود الساعة الثامنة ليلاً يوم العاشر من شهر أيلول/سبتمبر سنة 1939، صعدت الغواصة البريطانية تريتون للسطح لتحديد اتجاهها خلال قيامها بجولتها الاعتيادية قرب سواحل النرويج. وعقب قيامها بعدد من الإجراءات الروتينية، أمر القائد ستيل بالاستعداد للغوص مجدداً قبل أن يترك وصية لجنوده بإبلاغه بأي أمر طارئ قد يحدث.
وفي حدود الساعة 8 و45 دقيقة من نفس ذلك اليوم، تلقى القائد ستيل رسالة طارئة طالبته بالحضور فوراً بغرفة القيادة وهنالك علم الأخير بتواجد غواصة مشبوهة على مقربة منهم.
على الفور، أمر القائد ستيل بتجهيز أنابيب الطربيد والاستعداد لإطلاق النار. وقبل اتخاذ قرار بالهجوم، اتجه قائد الغواصة تريتون للتأكد من هوية الغواصة المجهولة، حيث كانت لدى الأخير معلومات حول إبحار الغواصة أوكسلي بالمنطقة. ولهذا السبب أصدر الأميرال ستيل أوامره بتوجيه عدد من الإشارات الضوئية في سعي منه لتحديد هوية الغواصة الغامضة.
وأمام عدم تلقيه لأي رد على الإشارات الضوئية، آمن القائد ستيل بتواجده قرب غواصة ألمانية ولهذا السبب أمر الأخير باستهدافها.
وعلى إثر نهاية الهجوم، اقتربت الغواصة تريتون من مكان الحادثة للتأكد من هوية الغواصة التي تم تدميرها. لكن ولسوء حظه، صعق القائد ستيل حال مشاهدته لهول الكارثة التي تسبب فيها حيث لم تكن الغواصة المجهولة سوى الغواصة البريطانية أوكسلي. وفي الأثناء، أسفرت هذه الحادثة عن سقوط العديد من الضحايا حيث قُتل ما لا يقل عن 55 بحاراً بريطانياً بنيران صديقة، فضلاً عن ذلك تمكن 3بحارة من النجاة عقب إنقاذهم من قبل الغواصة تريتون.
وبحسب التحقيق الذي أجرته السلطات البريطانية، جرت وقائع استهداف الغواصة أوكسلي بشكل مطابق لقوانين البحرية البريطانية حيث وجهت إليها العديد من الإشارات الضوئية قبل استهدافها. وفي أثناء ذلك، أخفت التقارير الرسمية البريطانية حقيقة هذه الحادثة عن البريطانيين، مؤكدة أن خراب الغواصة أوكسلي ناتج عن انفجار داخلي بها لكن مع حلول الخمسينيات لم تتردد السلطات البريطانية في كشف الحقيقة.