• 18 رمضان 1445
  • 29 مارس 2024

منوعات

قصة نبي الله أيوب عليه السلام

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية


ذكر الله في كتابه العزيز ” القرآن الكريم ” العديد من قصص الأنبياء عليهم السلام ، لتكون لنا عبرة نأخذ منها دروسا تقوي إيماننا وتهدينا إلى الصراط المستقيم ، ، كما ورد في كتابه العزيز بسورة يوسف ” لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ” . ومن أعظم القصص التي ذكرها سبحانه وتعالى والتي بها عبرة رائعة نقتدي بها ونطبقها في حياتنا ، هي قصة النبي ” أيوب عليه السلام ” ومدى صبره على ما ابتلاه رب العالمين من بلاء المرض حكمة منه سبحانه وتعالى لتكون لنا موعظة حسنة نقتدي بها ، حيث قال سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ” صدق الله العظيم … فلنتعرف على قصة سيدنا أيوب عليه السلام كما فسرها كبار علماء الدين مثلما وردت في القرآن الكريم .


نسب سيدنا أيوب عليه السلام :
يعود نسب سيدنا أيوب عليه السلام إلى سيدنا إسحاق بن إبراهيم عليه السلام ، وذلك كما ورد في قوله تعالى ” وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿84﴾ ” سورة الأنعام .

القصة :
كان سيدنا أيوب عليه السلام يمتلك أموالا هائلة حيث كان يمتلك العديد من المواشي والأنعام والعبيد والأراضي الواسعة ، وكما ورد في كتاب قصص الأنبياء لابن كثير فقك كانت أرض الثنية من أرض حوران في بلاد الشام ملكا له، كما كان لديه الكثير من الأبناء والأقارب .


الابتلاء :
إلا أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يختبر صبر سيدنا أيوب عليه السلام فابتلاه بمرض لم يبقه سليما إلا في قلبه ولسانه ، كما أنه فقد أبنائه وخسر أمواله الطائلة التي كان يمتلكها حتى أصبح رجلا ضعيفا لا حول له ولا قوة ، ولم يعد أحد يزوره من أقاربه وأصدقائه سوى زوجته التي كانت له زوجة صالحة وبارة به ظلت ترعاه طيلة فترة مرضه وعملت في خدمة الناس بمقابل مادي حتى تستطيع أن تطعم زوجها وتخدمه ، وظل نبينا عليه السلام مريضا وفقيرا طوال ثمانية عشر عاما ، وبالرغم من كل المصائب التي حلت به عليه السلام فلم يتوانى عن حمد الله وشكره وازداد صبره صبرا كثيرا إلى أن أصبح يضرب له المثل في صبره .

دعائه لله تعالى :
ولما اشتد عليه الحال ولم يعد يقوى على شيء تضرع إلى ربه سبحانه وتعالى ودعا له كما ورد في سورة الأنبياء ” وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ” وفي سورة ص ” وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ” صدق الله العظيم .

استجابة الله تعالى لدعائه :
عندما لجأ النبي أيوب عليه السلام إلى الله سبحانه وتعالى وتضرع له طالبا منه الرحمة ، استجاب سبحانه وتعالى إلى عبده وأمره بأن يقف من مكانه ويضرب الأرض برجله ، فظهر له منبع عين فأمره سبحانه وتعالى بالاغتسال من المياه النابعة من العين ، وعندما نفذ أمر الله تعالى خرج من بدنه جميع الأذى والأذى الذي كان يلم به طيلة تلك السنوات ، ثم أمره سبحانه وتعالى مرة أخرى أن يضرب الأرض ثانية في مكان آخر ، ففعل نبينا أيوب وأخرج من مكان الضربة نبعا بعين أخرى ، فأمره سبحانه وتعالى أن يشرب من مياهها ، فخرج من باطنه كل الألم الذي كان يشعر به ، فعادت له عافيته من الباطن والظاهر ، وذلك كما ورد في سورة ص ” ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ ﴿42﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الْأَلْبَابِ ﴿43﴾ ” صدق الله العظيم .

أقاويل متضاربة في قصة سيدنا أيوب عليه السلام :
وردت أقاويل مغلوطة حول قصة سيدنا أيوب عليه السلام يقال أنها وردت في الإسرائيليات ، وقد ذكر منها بأن سيدنا أيوب عند مرضه امتلأ جسده بالديدان وتمزق لحمه ، إلا أن هذه الأقاويل خاطئة وذلك لأن الله سبحانه وتعالى عصم عن الأنبياء من أي أمراض تكون منفرة تبعد الناس عنهم سواء كانت هذه الأمراض جسدية أو نفسية . والصحيح في القول أن الله سبحانه وتعالى ابتلى عبده ونبيه أيوب عليه السلام بأمراض لا تتعارض مع صفات النبوة فصبر عليها سيدنا أيوب صبرا شديدا حتى يكون مثلا للمسلمين والمؤمنين ، حيث يكافئ الله تعالى عباده من الصابرين ويجزيهم جزاءً طيبا مثلما كافأ نبيه أيوب عليه السلام عندما أزال عنه المرض وأنعم به من واسع نعمه نتيجة لصبره ، وبهذا توضح حكمة الله سبحانه وتعالى في ابتلاء أيوب وصبره ومعافاته بأن ما بعد الصبر إلا الفرج من الله تعالى .

كما وردت أيضا أقاويل متضاربة حول قوله سبحانه وتعالى ” وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ ” حيث اختلف المفسرون حول من وقع عليه الضرب وما هو سبب الضرب المشار إليه في الآية الكريمة ، والصحيح كما ورد في تفسير ابن كثير بأنه في يوم من الأيام اشتد غضب سيدنا أيوب عليه السلام على زوجته في أمر كانت قد فعلته أثار غضبه ، وحلف بأنه عندما يشفى من مرضه سوف يضربها مئة جلدة ، وعندما شوفي من مرضه واستعاد عافيته لم يرد أن يجزي زوجته التي أحسنت معاملته ونذرت لخدمته طوال فترة مرضه بالضرب ، فأمره الله تعالى بأخذ ” ضغثا ” أي شمراخ يحتوي على مائة قضيب ، فيضربها به ضربة واحدة ليستوفي نذره .

قال ابن إسحاق: كان رجلًا من الروم وهو أيوب بن موص بن زارح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل.

وقال غيره: هو أيوب بن موص بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن يعقوب. وقيل غير ذلك في نسبه.

وحكى ابن عساكر أن أمه بنت لوط عليه السلام. وقيل كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار فلم تحرقه.

والمشهور الأول، لأنه من ذرية إبراهيم كما قررنا عند قوله تعالى: { وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ... } الآيات [الأنعام: 84] .

من أن الصحيح أن الضمير عائد على إبراهيم دون نوح عليهما السلام.

وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء في قوله تعالى: { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ } الآية [النساء: 163] .

فالصحيح أنه من سلالة العيص بن إسحاق، وامرأته قيل: اسمها ليا بنت يعقوب، وقيل: رحمه بنت أفرائيم، وقيل: منشا بن يوسف بن يعقوب، وهذا أشهر فلهذا ذكرناه هاهنا. ثم نعطف بذكر أنبياء بني إسرائيل بعد ذكر قصته إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.

قال الله تعالى: { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } [الأنبياء: 83-84] .

وقال تعالى في سورة ص: { وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [41-44] .

وروى ابن عساكر من طريق الكلبي أنه قال: أول نبي بعث إدريس، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم إسماعيل، ثم إسحاق، ثم يعقوب، ثم يوسف، ثم لوط، ثم هود، ثم صالح، ثم شعيب، ثم موسى وهرون، ثم إلياس، ثم اليسع، ثم عرفي بن سويلخ بن أفرائيم بن يوسف بن يعقوب، ثم يونس بن متي من بني يعقوب، ثم أيوب بن زراح بن آموص بن لبفرز بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم.

وفي بعض هذا الترتيب نظر، فإن هودًا وصالحًا المشهور أنهما بعد نوح، وقبل إبراهيم، والله أعلم.

قال علماء التفسير والتاريخ وغيرهم: كان أيوب رجلًا كثير المال من سائر صنوفه وأنواعه، من الأنعام، والعبيد، والمواشي، والأراضي المتسعة بأرض البثينة من أرض حوران.

وحكى ابن عساكر أنها كلها كانت له، وكان له أولاد وأهلون كثير، فسلب من ذلك جميعه، وابتلى في جسده بأنواع البلاء، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه، يذكر الله عز وجل بها، وهو في ذلك كله صابر محتسب ذاكر لله عز وجل في ليله ونهاره، وصباحه ومسائه.

وطال مرضه حتى عافه الجليس، وأوحش منه الأنيس، وأخرج من بلده، وألقي على مزبلة خارجها، وانقطع عنه الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته، كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها، وشفقته عليها، فكانت تتردد إليه، فتصلح من شأنه، وتعينه على قضاء حاجته، وتقوم بمصلحته.

وضُعف حالها، وقل ما لها، حتى كانت تخدم الناس بالأجر، لتطعمه وتقود بأوده رضي الله عنها وأرضاها، وهي صابرة معه على ما حل بهما من فراق المال والولد، وما يختص بها من المصيبة بالزوج، وضيق ذات اليد، وخدمة الناس بعد السعادة، والنعمة، والخدمة، والحرمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله ﷺ قال:

« أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه ».

ولم يزد هذا كله أيوب عليه السلام إلا صبرًا واحتسابًا وحمدًا وشكرًا، حتى أن المثل ليضرب بصبره عليه السلام، ويضرب المثل أيضًا بما حصل له من أنواع البلايا.

وقد روي عن وهب بن منبه وغيره من علماء بني إسرائيل، في قصة أيوب، خبر طويل في كيفية ذهاب ماله، وولده، وبلائه في جسده، والله أعلم بصحته.

وعن مجاهد أنه قال: كان أيوب عليه السلام أول من أصابه الجدري، وقد اختلفوا في مدة بلواه على أقوال؛ فزعم وهب أنه ابتلي ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص. وقال أنس: ابتلي سبع سنين وأشهرًا، وألقى على مزبلة لبني إسرائيل تختلف الدواب في جسده، حتى فرَّج الله عنه، وعظم له الأجر، وأحسن الثناء عليه.

وقال حميد: مكث في بلواه ثمانية عشرة سنة. وقال السدي: تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته، فلما طال عليها قالت: يا أيوب لو دعوت ربك لفرج عنك، فقال: قد عشت سبعين سنة صحيحًا، فهو قليل لله أن أصبر له سبعين سنة، فجزعت من هذا الكلام، وكانت تخدم الناس بالأجر وتطعم أيوب عليه السلام.

ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفًا أن ينالهم من بلائه، أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحدًا يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها، بطعام طيب كثير، فأتت به أيوب، فقال: من أين لك هذا؟ وأنكره.

فقالت: خدمت به أناسًا فلما كان الغد لم تجد أحدًا، فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به فأنكره أيضًا، وحلف لا يأكله حتى تخبره من أين لها هذا الطعام، فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقًا قال في دعائه: { أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [الأنبياء: 83] .

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا جرير بن حازم، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: كان لأيوب أخوان، فجاءا يومًا فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه، فقاما من بعيد، فقال أحدهما لصاحبه: لو كان الله علم من أيوب خيرًا ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب من قولهما جزعًا لم يجزع من شيء قط.

قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة قط شبعانًا وأنا أعلم مكان جائع فصدقني، فصدق من السماء وهما يسمعان.

ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم يكن لي قميصان قط وأنا أعلم مكان عار، فصدقني فصدق من السماء وهما يسمعان.

ثم قال: اللهم بعزتك وخر ساجدًا، فقال: اللهم بعزتك لا أرفع رأسي أبدًا حتى تكشف عني، فما رفع رأسه حتى كشف عنه.

وقال ابن أبي حاتم وابن جرير جميعًا: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أنبئنا ابن وهب، أخبرني نافع بن يزيد عن عقيل، عن الزهري، عن أنس بن مالك أن النبي ﷺ قال:

« إن نبي الله أيوب لبث به بلاؤه ثماني عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه له، كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه: يعلم الله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين.

قال له صاحبه: وما ذاك؟

قال: منذ ثماني عشر سنة لم يرحمه ربه فكشف ما به، فلما راحا إليه لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له.

فقال أيوب: لا أدري ما تقول غير أن الله عز وجل يعلم أني كنت أمر على الرجلين يتنازعان فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما، كراهية أن يذكر الله إلا في حق ».

قال: « وكان يخرج في حاجته فإذا قضاها أمسكت امرأته بيده حتى يرجع، فلما كان ذات يوم أبطأت عليه، فأوحى الله إلى أيوب في مكانه أن { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ } [ص: 42] فاستبطأته فتلقته تنظر، وأقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان، فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، فوالله على ذلك ما رأيت رجلًا أشبه به منك إذ كان صحيحًا، قال: فإني أنا هو ».

قال: « وكان له أندران: أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ».

هذا لفظ ابن جرير، وهكذا رواه بتمامه ابن حبان في (صحيحه) عن محمد بن الحسن بن قتيبة، عن حرملة، عن ابن وهب به. وهذا غريب رفعه جدًا، والأشبه أن يكون موقوفًا.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، أنبأنا علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس قال: وألبسه الله حلة من الجنة فتنحى أيوب وجلس في ناحية، وجاءت امرأته فلم تعرفه.

فقالت: يا عبد الله هذا المبتلى الذي كان ههنا لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب، وجعلت تكلمه ساعة.

قال: ولعل أنا أيوب.

قالت: أتسخر مني يا عبد الله؟

فقال: ويحك أنا أيوب، قد رد الله عليّ جسدي.

قال ابن عباس: ورد الله عليه ماله وولده بأعيانهم ومثلهم معهم.
وقال وهب بن منبه: أوحى الله إليه: قد رددت عليك أهلك، ومالك، ومثلهم معهم فاغتسل بهذا الماء فإن فيه شفاءك، وقرب عن صحابتك قربانًا، واستغفر لهم فإنهم قد عصوني فيك. رواه ابن أبي حاتم.

وقال ابن أبي حاتم: ثنا أبو زرعة، حدثنا عمرو بن مرزوق، حدثنا همام، عن قتادة، عن النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة، عن النبي ﷺ قال:

« لما عافى الله أيوب عليه السلام أمطر عليه جرادًا من ذهب، فجعل يأخذ بيده ويجعل في ثوبه قال: فقيل له يا أيوب أما تشبع؟ قال: يا رب ومن يشبع من رحمتك ».

وهكذا رواه الإمام أحمد، عن أبي داود الطيالسي، وعبد الصمد عن همام عن قتادة به.

ورواه ابن حبان في (صحيحه)، عن عبد الله بن محمد الأزدي، عن إسحاق بن راهويه، عن عبد الصمد به. ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب، وهو على شرط الصحيح، فالله أعلم.

وقال الإمام أحمد: ثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أرسل على أيوب رجل من جراد من ذهب فجعل يقبضها في ثوبه، فقيل: يا أيوب ألم يكفك ما أعطيناك؟ قال: أي رب ومن يستغني عن فضلك.

هذا موقوف وقد روي عن أبي هريرة من وجه أخر مرفوعًا.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا معمر، عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة قال: قال رسول الله ﷺ:

« بينما أيوب يغتسل عريانًا خرّ عليه جراد من ذهب، فجعل أيوب يحثي في ثوبه فناداه ربه عز وجل: يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى.

قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك ». رواه البخاري من حديث عبد الرزاق به.

وقوله: { ارْكُضْ بِرِجْلِكَ } أي: اضرب الأرض برجلك فامتثل ما أمر به، فأنبع الله له عينًا باردة الماء، وأمر أن يغتسل فيها ويشرب منها، فأذهب الله عنه ما كان يجده من الألم والأذى والسقم والمرض، الذي كان في جسده ظاهرًا وباطنًا، وأبدله الله بعد ذلك كله صحة ظاهرة وباطنة، وجمالًا تامًا، ومالًا كثيرًا حتى صب له من المال صبًا مطرًا عظيمًا جرادًا من ذهب.

وأخلف الله له أهله كما قال تعالى: { وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ } [الأنبياء: 84] فقيل: أحياهم الله بأعيانهم، وقيل: آجره فيمن سلف وعوضه عنهم في الدنيا بدلهم وجمع له شمله بكلهم في الدار الآخرة.

وقوله: { رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا } أي: رفعنا عنه شدته، وكشفنا ما به من ضر رحمة منا به، ورأفة وإحسانًا.

{ وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } أي: تذكرة لمن ابتلي في جسده أو ماله أو ولده، فله أسوة بنبي الله أيوب حيث ابتلاه الله بما هو أعظم من ذلك فصبر واحتسب، حتى فرج الله عنه.

ومن فهم من هذا اسم امرأته فقال: هي رحمة من هذه الآية، فقد أبعد النجعة، وأغرق النزع.

وقال الضحاك عن ابن عباس: رد الله إليها شبابها، وزادها حتى ولدت له ستة وعشرون ولدًا ذكرًا.

وعاش أيوب بعد ذلك سبعين سنة بأرض الروم على دين الحنيفية، ثم غيروا بعده دين إبراهيم.

وقوله: { وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ } [ص: 44] هذه رخصة من الله تعالى لعبده ورسوله أيوب عليه السلام، فيما كان من حلفه ليضربن امرأته مائة سوط فقيل: حلفه ذلك لبيعها ضفائرها. وقيل: لأنه عرضها الشيطان في صورة طبيب يصف لها دواء لأيوب، فأتته فأخبرته فعرف أنه الشيطان، فحلف ليضربها مائة سوط.

فلما عافاه الله عز وجل أفتاه أن يأخذ ضغثًا، وهو كالعثكال الذي يجمع الشماريخ فيجمعها كلها ويضربها به ضربة واحدة، ويكون هذا منزلا منزلة الضرب بمائة سوط، ويبر ولا يحنث، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه، ولا سيما في حق امرأته الصابرة المحتسبة المكابدة الصديقة، البارة الراشدة، رضي الله عنها.

ولهذا عقب الله هذه الرخصة وعللها بقوله: { إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ }.

وقد استعمل كثير من الفقهاء هذه الرخصة في باب الإيمان والنذور، وتوسع آخرون فيها حتى وضعوا كتاب الحيل في الخلاص من الإيمان، وصدوره بهذه الآية الكريمة وأتوا فيه بأشياء من العجائب والغرائب، وسنذكر طرفًا من ذلك في كتاب الأحكام عند الوصول إليه إن شاء الله تعالى.

وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ: أن أيوب عليه السلام لما توفي كان عمره ثلاثًا وتسعين سنة، وقيل: إنه عاش أكثر من ذلك، وقد روى ليث عن مجاهد ما معناه: أن الله يحتج يوم القيامة بسليمان عليه السلام على الأغنياء، وبيوسف عليه السلام على الأرقاء، وبأيوب عليه السلام على أهل البلاء، رواه ابن عساكر بمعناه.

وأنه أوصى إلى ولده حومل، وقام بالأمر بعده ولده بشر بن أيوب، وهو الذي يزعم كثير من الناس أنه ذو الكفل فالله أعلم. ومات ابنه هذا وكان نبيًا فيما يزعمون، وكان عمره من السنين خمسا وسبعين، ولنذكر ههنا قصة ذي الكفل إذ قال بعضهم إنه ابن أيوب عليها السلام.

منوعات تلميذ شبكة النايل الإخبارية

أسعار العملات

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 30.8414 30.9386
يورو 33.1144 33.2311
جنيه إسترلينى 38.6967 38.8310
فرنك سويسرى 34.9241 35.0499
100 ين يابانى 20.5514 20.6202
ريال سعودى 8.2235 8.2498
دينار كويتى 100.0858 100.4336
درهم اماراتى 8.3968 8.4239
اليوان الصينى 4.2869 4.3013

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 4,114 شراء 4,149
عيار 22 بيع 3,771 شراء 3,803
عيار 21 بيع 3,600 شراء 3,630
عيار 18 بيع 3,086 شراء 3,111
الاونصة بيع 127,954 شراء 129,021
الجنيه الذهب بيع 28,800 شراء 29,040
الكيلو بيع 4,114,286 شراء 4,148,571
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى

مواقيت الصلاة

الجمعة 12:05 صـ
18 رمضان 1445 هـ29 مارس 2024 م
مصر
الفجر 04:20
الشروق 05:48
الظهر 11:60
العصر 15:30
المغرب 18:12
العشاء 19:30

استطلاع الرأي