يوم تسبب خبر ”الهدنة الزائفة” بفرحة هستيرية في أميركا
كتبت سارة أحمد محمدميدانيقبل 4 أيام من موعد توقيع "هدنة كومبين" بين ممثلي ألمانيا والحلفاء ونهاية الحرب العالمية الأولى، عاشت مناطق عديدة في العالم على وقع ما عرف باحتفالات "الهدنة الزائفة".
فبسبب انتشار خبر كاذب حول توقيع هدنة بين ممثلي ألمانيا والحلفاء يوم 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1918، تهافت عدد كبير من المواطنين بمختلف الدول كفرنسا وبريطانيا ونيوزيلندا وكندا نحو الشوارع للاحتفال بنهاية النزاع العالمي، الذي استمر لأكثر من 4 سنوات مخلفاً عشرات ملايين القتلى والجرحى.
إلا أن هذه الاحتفالات لم تستمر طويلاً، حيث تداركت الحكومات بمختلف هذه الدول الأمر لتكذّب الخبر.
وفي نفس الفترة، انتشر خبر الهدنة الزائفة من فرنسا نحو الولايات المتحدة الأميركية عن طريق خطوط التلغراف. وقبيل دقائق من حلول وقت الظهيرة في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1918، عنونت الصحف الأميركية بأحرف كبيرة خبر "نهاية الحرب" و"استسلام ألمانيا" لتشهد بذلك الشوارع الأميركية خلال الساعات التالية احتفالات هستيرية.
وعلى حسب العديد من التقارير، تعطلت الحركة الاقتصادية بشكل كامل في مدينة نيويورك، حيث وافق عمدة المدينة على جعل اليوم عطلة. وبساحة تايمز سكوير، رفع مغني الأوبرا، الإيطالي إنريكو كاروزو، العلم الأميركي فوق سطح أحد المباني لتحييه الجماهير الغفيرة بالأسفل.
كذلك لجأ عدد من الأميركيين إلى الصعود للطوابق العليا بناطحات السحاب وباشروا بتمزيق الجرائد وكتب دليل الهاتف وإلقائها نحو الأسفل لتغطي بذلك قطع الأوراق الصغيرة الشوارع. كما عمدت الكنائس لقرع أجراسها ودوت صفارات الإنذار احتفالاً بخبر نهاية الحرب الكاذب.
في الأثناء، لم تقتصر الاحتفالات على مدينة نيويورك فقط. فمع انتشار الخبر، عاشت بقية المدن الأميركية على وقع هستيريا الانتصار. وتجمهر الأميركيون أمام البيت الأبيض في العاصمة واشنطن وهتفوا باسم الرئيس وودرو ولسن، الذي ظهر لتحيتهم. كما حلّقت 9 طائرات عسكرية فوق سماء المدينة ودوت أصوات المدافع بحصن ماير احتفالاً بالنصر.
وفي فيلادلفيا، قرع العمدة توماس سميث جرس الحرية ووزعت المتاجر الحلوى والمشروبات الغازية مجاناً ومزق الحاضرون صور القيصر الألماني، فيلهلم الثاني. أما بمدينة نيوكاسل بولاية بنسلفانيا، فقد اتخذت الاحتفالات منحى آخر فيها، حيث عمدت الجماهير لسحل وقتل أحد الجنود القدامى الذين شاركوا بالحرب الأميركية الإسبانية عام 1898 بعد اتهامه بإنزال العلم الأميركي ومساندة القيصر الألماني. وأدى انفجار الألعاب النارية وسط المدينة إلى مقتل 4 أطفال.
غير أن فرحة الأميركيين لم تستمر طويلاً، حيث ألقى وزير الخارجية روبرت لانسينغ كلمة رسمية نفى من خلالها كل ما نقلته الصحف عن نهاية الحرب. لكن الأميركيين رفضوا هذه التصريحات وواصلوا احتفالاتهم قبل أن يستيقظوا في اليوم التالي على وقع خبر مقتل مزيد من جنودهم على الساحة الأوروبية.
وأثارت حادثة انتشار خبر نهاية الحرب الكاذب موجة استياء شديدة. وعلى حسب تحقيق أجرته الإدارة الأميركية، لعبت السفارة الأميركية بباريس دوراً هاماً في نشر هذا الخبر، حيث حلل العاملون بها بشكل خاطئ رسالة حول وقف إطلاق نار مؤقت استمر فترة وجيزة لضمان مرور وفد مفاوضين ألمان.
وتزامناً مع انتشار الخبر الكاذب بفرنسا، أعلن الأميرال الأميركي، هنري ولسن، المتواجد بميناء بريست الفرنسي، للصحافي روي هاورد، العامل لصالح وكالة يونايتد برس الأميركية، عن استسلام ألمانيا ونهاية الحرب، وهو التصريح الذي نقله هاورد على جناح السرعة نحو الولايات المتحدة.
وبينما طالب الأميركيون بمعاقبة هاورد ووكالة يونايتد برس، تدارك الأميرال ولسن الأمر وأعلن تحمله المسؤولية الكاملة عن نقل هذا الخبر الكاذب من فرنسا.
وبسبب هذه الحادثة، لم يتفاعل الأميركيون بشكل كبير مع نهاية الحرب في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 1918، حيث اعتبرت الاحتفالات التي جرت قبل 4 أيام أكبر بكثير من تلك التي شهدتها البلاد عند الإعلان الرسمي عن وقف القتال.