عزاء في بنك!
سها عيسيميدانيماذا يعنى أن يقيم الفلاحون سرادقات عزاء شعبية أمام فروع بنك التنمية والائتمان الزراعى فى المحافظات؟! هل استدعى المهندس شريف إسماعيل، رئيس البنك، ثم سأله عن أسباب وصول غضب المزارع من مؤسسته البنكية إلى هذا الحد المخيف؟!.. ثم طلب منه حلاً، فى فترة زمنية محددة لها أول ولها آخر؟! هل اتصل رئيس الوزراء بوزير الزراعة مثلاً، ليسأله عن الحكاية؟! ثم طلب منه أيضاً تصوراً مكتوباً لإطفاء غضب المزارعين؟! هل انتبه الدكتور على عبدالعال، رئيس البرلمان، إلى أن تغيير اسم البنك، فى مجلس النواب، من بنك التنمية والائتمان الزراعى إلى البنك الزراعى، كان من أهم أسباب إقامة العزاء فى أكثر من محافظة؟! البنك أنشأه إسماعيل صدقى باشا، وقت أن تسلم رئاسة الحكومة عام 1930، وكان اسمه «بنك التسليف»، وفى مرحلة من المراحل أصبح بنكاً للتنمية والائتمان الزراعى، ثم بدا، لأسباب ليست مفهومة للفلاح، قبل أن تكون مفهومة لغيره، أن إطلاق مسمى البنك الزراعى عليه ربما يكون أفضل، وكأن اسمه هو المشكلة. البنك قام منذ البداية ليكون فى خدمة كل مزارع، وليكون داعماً لكل فلاح، ومن أجل أن يقف وراء كل صاحب أرض منتجة، وفى سبيل أن يكون إنتاجها، بمساعدة منه، أضعاف ما هو عليه الآن.. فإذا اصطف المزارعون، أمام فروعه، يعزون بعضهم بعضاً فيه فهذا مؤشر خطر للغاية، ثم إنه دليل على أن الذين أقاموا سرادقات العزاء الشعبية على يقين من أن البنك الذى كانوا ينتظرون مؤازرته، ويتطلعون إلى مساندته، ويترقبون دعمه، قد مات! يعرف الرئيس، ويعرف رئيس الوزراء من بعده، ويعرف كل مسؤول يغار على وضع هذا البلد حقاً، أن معركة الدولار الدائرة حالياً لن يتم حسمها لصالح اقتصادنا بقرض الصندوق أبداً، ولو ضرب الصندوق رقم القرض فى عشرة! لن يتم حسمها لصالح الجنيه، إلا إذا كان لدينا إنتاج حقيقى، يبدأ من حقل الفلاح، ويمر بكل منشأة صناعية تقدم إنتاجاً جاداً، لاستهلاك المواطن، أو للتصدير، فيتوفر الدولار فى الحالتين، ولا يتوفر فى غيرهما! وهو لن يتوفر فى غيرهما، لأننا أدرى الناس بأن مصادر الدولار التقليدية، من أول تحويلات المصريين فى الخارج، مروراً بالسياحة، وانتهاء بقناة السويس، تواجه أزمة كبيرة، وتصادف شحاً فى العملة الخضراء! إننا نقرأ من وقت لآخر عن دعم حكومة الولايات المتحدة لمزارعيها، بلا حدود، ونتابع فى كل عام حرص الرئيس الفرنسى على حضور المعرض الزراعى فى باريس بنفسه، وتمسكه بأن يتفقده زاوية زاوية، ليفهم كل مزارع أن رئيس الدولة ذاته يقف إلى جواره.. نقرأ ونتابع هذا كله ونتلفت حولنا فنكتشف أن مزارعينا يتلقون العزاء من بعضهم البعض فى البنك الزراعى، الذى كان بنكاً لهم ذات اليوم! سرادقات العزاء التى نشرت الصحف صورها كفيلة بأن تؤرق حياة كل مسؤول يعنيه الأمر فى البلد، فلا ينام!