فسألوا أهل الذكر.. زيارة المقابر
ميدانيكانت زيارة المقابر حراما فى أول الإسلام على الرجال والنساء، وحينما استقرت عقيدة الإسلام فى القلوب، وعرفت أحكامه وأهدافه أبيحت الزيارة وجاءت مجموعة من الأحاديث الصحيحة، تضمنت مشروعيتها وكيفيتها وحكمتها منها قوله ﷺ: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة». وأيضا منها أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقال لها عبدالله بن أبى مليكة: «من أين أقبلت يا أم المؤمنين؟ قالت: من قبر أخى عبدالرحمن. فقال لها: أليس كان نهى رسول الله صلي الله عليه وسلم عن زيارة القبور؟ قالت نعم، كان نهى عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها». وكان من الأحاديث ما يبين كيفيتها وكان الرسول ﷺ يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية». ومن الأحاديث أن النبى ﷺ مر بامرأة عند قبر تبكى على صبى لها، فقال لها اتقِ الله واصبرى، فقالت: وما تبالى بمصيبتى، اذهب عنى ــ ولم تكن تعرفه ــ فلما ذهب، قيل لها إنه رسول الله ﷺ، فأتت إليه وقالت لم أعرفك يا رسول الله. فقال لها «إنما الصبر عند الصدمة الأولى»، ووعظها بالصبر ولم ينكر زيارة القبر.
ونرى هنا أنه إذا قصد بزيارة القبور الإحسان إلى الميت بالدعاء، وإلى النفس بالعظة والاعتبار، وخلت من تجديد الأحزان ومظاهر الجزع، وصور اللهو والتسلية، ونظم الضيافة، والمبيت فى المقابر، كانت مشروعة للرجال والنساء، أما إذا قصد بها تجديد الأحزان، واتخذ فيها ما ينافى العظة والاعتبار، فإنها تكون محرمة على الرجال والنساء. وتكون نوعا من المنكر.
وقد أباح الرسول ﷺ لأصحابه وعلّمهم زيارة القبور، وزارها، وزاروها رجالا ونساء، ودرج عليها المسلمون الأولون، وفى القبور الصديقون والشهداء والصالحون، ولم يذكر شىء فى زيارة هؤلاء الصالحين خلاف ما شرع فى زيارة غيرهم، تذكر وتسليم ودعاء. وإذن فما يحدث الآن فى زيارة أصحاب الأضرحة الكاسية المزركشة، ذات المقاصير المفضضة، فوقفة الاستئذان على باب الضريح، واستقباله مع رفع الأكف بالضراعة، والمناجاة، والطواف حوله مع تقبيل جوانبه والتمسح بحديده وخشبه. كل ذلك عمل غير مشروع، يأباه الله و رسوله، ويغضب منه أصحاب الأضرحة أنفسهم.
وأولياء الله وهم «بنص كتاب الله» الذين آمنوا وكانوا يتقون، كانوا فى حياتهم عبادا مخلصين لله، لم يتوجهوا بقلوبهم إلى غير الله، ولم يقفوا بباب أحد سواه، ولم يرفعوا أكف الضراعة إلا إليه، وأنهم كانوا يدعون الناس إلى هدى الله وشرعه، وهم يحبون من الناس أن يسلكوا سبيلهم، يعبدون الله كما عبدوا. فإذا ما سلكنا فى زيارتهم ما سلكوا فى زيارة أسلافهم طابت نفوسهم واطمأنت أرواحهم، وإذا ما انحرفنا عن طريقهم واتخذنا قبورهم مطافا كالبيت الحرام ومستلما كالحجر الأسود، ومصلى كمقام إبراهيم، وصرنا إلى ما يغضبهم ولا يرضيهم.
وهذا ما ينبغى أن يعلمه الناس حتى يعرفوا المشروع فيفعلوه، وغير المشروع فيجتنبوه.
وهنا يرى الشيخ محمود شلتوت أن تكون الدعوة بالتى هى أحسن، ولا ينبغى أن نقسو باسم الدين وباسم الدعوة إليه، ونتخذ الحكم بالشرك وعبادة الأصنام على الزائرين ونحن نعلم بما تنطق به أحوالهم أنهم مؤمنون بعقائد الدين كلها، وبفرائضه كلها، ومؤمنون أن النبى والولى من عباد الله. وعندهم عقيدة الإيمان الحق التى لم يؤمن بها عباد الأصنام. ويجب أن نبذل جهودنا فى تعليم من لا يعلم، لا فى تكفيره، ولا الإساءة إلى تلك الأرواح الطاهرة.